بعد كل طاعة وعبادة سواءً كانت عمرة، حج، صيام – صلاة – صدقة، أي عمل صالح كلنا يردد هتاف علي رضي الله عنه يقول: ( ليت شعري، من المقبول فنهنيه، ومن المحروم فنعزيه ).
وبعد كل طاعة نردد أيضاً قول ابن مسعود رضي الله عنه: (أيها المقبول هنيئًا لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك ).
ولقد قال عليّ رضي الله عنه: ( لا تهتمّوا لقِلّة العمل، واهتمّوا للقَبول )، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } [المائدة:27].
إن كثيرا من الناس يتوب وهو دائم القول: إنني أعلم بأني سأعود.. لا تقل مثله.. ولكن قل : إن شاء الله لن أعود " تحقيقا لا تعليقا ".. واستعن بالله واعزم على عدم العودة.
2- الوجل من عدم قبول العمل:
فالله غني عن طاعاتنا وعباداتنا، قال عز وجل : { وَمَن يَشْكُرْ فَإنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } [لقمان: 12]، وقال تعالى : { إن تَكْفُرُوا فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ } [الزمر: 7]، والمؤمن مع شدة إقباله على الطاعات، والتقرب إلى الله بأنواع القربات؛ إلا أنه مشفق على نفسه أشد الإشفاق، يخشى أن يُحرم من القبول، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سألت رسول الله -
سلم - عن هذه الآية: { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } [المؤمنون: 60]، أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟! قال: << لا يا ابنة الصديق! ولكنهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات >>.
فالعمل الصالح شجرة طيبة، تحتاج إلى سقاية ورعاية، حتى تنمو وتثبت، وتؤتي ثمارها، وإن أهم قضية نحتاجها أن نتعاهد أعمالنا الصالحة التي كنا نعملها، فنحافظ عليها، ونزيد عليها شيئاً فشيئاً، وهذه هي الاستقامة التي تقدم الحديث عنها.
4- استصغار العمل وعدم العجب والغرور به :
إن العبد المؤمن مهما عمل وقدَّم من إعمالٍ صالحة، فإن عمله كله لا يؤدي شكر نعمة من النعم التي في جسده من سمع أو بصر أو نطق أو غيرها، ولا يقوم بشيء من حق الله تبارك وتعالى، فإن حقه فوق الوصف، ولذلك كان من صفات المخلصين أنهم يستصغرون أعمالهم، ولا يرونها شيئاً، حتى لا يعجبوا بها، ولا يصيبهم الغرور فيحبط أجرهم، ويكسلوا عن الأعمال الصالحة، ومما يعين على استصغار العمل: معرفة الله تعالى، ورؤية نعمه، وتذكر الذنوب والتقصير.
ولنتأمل كيف أن الله تعالى يوصي نبيه
سلم بذلك بعد أن أمره بأمور عظام فقال تعالى: { يَا اَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَاَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } فمن معاني الآية ما قاله الحسن البصري: لاتمنن بعملك على ربك تستكثره.
قال الإمام ابن القيم: ( كلما شهدت حقيقة الربوبية وحقيقة العبودية، وعرفت الله، وعرفت النفس، وتبيَّن لك أنَّ ما معك من البضاعة لا يصلح للملك الحق، ولو جئت بعمل الثقلين؛ خشيت عاقبته، وإنما يقبله بكرمه وجوده وتفضله، ويثيبك عليه أيضاً بكرمه وجوده وتفضله ) [مدارج السالكين (439/2)].
5- حب الطاعة وكره المعصية:
من علامات القبول، أن يحبب الله في قلبك الطاعة ,فتحبها وتأنس بها وتطمئن إليها قال تعالى: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد28].
ومن علامات القبول أن تكره المعصية والقرب منها وتدعو الله أن يُبعدك عنها قائلاً:
اللهم حبب إليَّ الإيمان وزينه في قلبي وكرَّه إليَّ الكفر والفسوق والعصيان واجعلني من الراشدين.
6- الرجاء وكثرة الدعاء:
إن الخوف من الله لا يكفي، إذ لابد من نظيره وهو الرجاء، لأن الخوف بلا رجاء يسبب القنوط واليأس، والرجاء بلا خوف يسبب الأمن من مكر الله، وكلها أمور مذمومة تقدح في عقيدة الإنسان وعبادته.
ورجاء قبول العمل- مع الخوف من رده يورث الإنسان تواضعاً وخشوعاً لله تعالى، فيزيد إيمانه، وعندما يتحقق الرجاء فإن الإنسان يرفع يديه سائلاً الله قبول عمله؛ فإنه وحده القادر على ذلك، وهذا ما فعله أبونا إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، كما حكى الله عنهم في بنائهم الكعبة فقال:
{ وَاِذْ يَرْفَعُ اِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَاِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا اِنَّكَ اَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم } [البقرة:127].
7- التيسير للطاعة والإبعاد عن المعصية :
سبحان الله إذا قبل الله منك الطاعة يسَّر لك أخرى لم تكن في الحسبان ,بل وأبعدك عن معاصيه ولو اقتربت منها.
قال تعالى: { فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى{5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى{6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى{7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى{8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى{9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى{10} } [4-10 الليل].
8- حب الصالحين وبغض أهل المعاصي :
من علامات قبول الطاعة أن يُحبب الله إلى قلبك الصالحين أهل الطاعة ويبغض إلى قلبك الفاسدين أهل المعاصي، و لقد روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله
سلم قال: { إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله }.
أخي الحبيب:
قل لي من تحب من تجالس من تود أقل لك من أنت، ولله در عطاء الله السكندري حين قال: ( إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر أين أقامك ).
والواجب أن يكون حبنا وبغضنا، وعطاؤنا ومنعنا، وفعلنا وتركنا لله -سبحانه وتعالى- لا شريك له، ممتثلين قوله
سلم << من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع الله، فقد استكمل الإيمان >> رواه أحمد عن معاذ بن أنس وغيره.
9- كثرة الاستغفار:
المتأمل في كثير من العبادات والطاعات مطلوبٌ أن يختمها العبد بالاستغفار، فإنه مهما حرص الإنسان على تكميل عمله فإنه لابد من النقص والتقصير، فبعد أن يؤدي العبد مناسك الحج قال تعالى: { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [البقرة:199].
وأمره أيضاً أن يختم حياته العامرة بعبادة الله والجهاد في سبيله بالاستغفار فقال: { إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ{1} وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً{2} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً{3} } [النصر].
وأحب الأعمال إلى الله وإلى رسوله
سلم أدومها وإن قلَّت قال رسول الله
سلم: << أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل >> [متفق عليه].
عتقائه من النار