المدير العام
Admin
التـسـجيــــل : : 05/01/2011 الجـــنـــــس : المشاركـــات : : 1689
| موضوع: رابعة العدوية . الخميس 07 أبريل 2011, 18:49 | |
| هى رابعة بنت إسماعيل العدوية العتكية القيسية البصرية,
ولدت عام 95 هجرية, ومنهم من قال أنها ولدت عام 99 ه
ـ في كوخ خاو في أحد الأحياء الفقيرة في البصرة
في زمن كان يجتاح البصرة قحط شديد وينتشر فيها اللصوص
وقطاع الطرق والنخاسون من تجار الرقيق.
وكانت المولودة هي الأنثى الرابعة التي يرزق
بها والدها دون الذكور فسماها لذلك رابعة.
كان أبوها رجلا معدما شديد الفقر لكنه كان من أهل التقوى والعبادة
ضاقت يده في تلك الليلة التي ولدت فيها رابعة عن تأمين قطرة زيت لإيقاد السراج
الذي خبا نوره في تلك الليلة الظلماء, أو لدهن المولودة القادمة,
كما خلا الكوخ من خرقة بالية تلف بها الأم طفلتها المولودة,
فذهب الوالد لأحد الجيران يسأله عن قطرة زيت فلم يجد من يلبي حاجته,
فنام في تلك اللينة جاثيا على ركبتيه واليأس يعتصر قلبه,
وقد رأى في تلك الليلة مناما يبشر بمباركة المولودة,
وهو أن رسول الله سلم جاءه يقول له:
"لا عليك, إن هذه البنت التي ولدت ستكون سيدة جليلة القدر,
وأن سبعين ألفا من أمتي ليرجون شفاعتها, فاذهب في الغد إلى أمير البصرة
وقل له: أنك تصلي في كل ليلة مئة ركعة, وفي ليلة الجمعة أربعمائة,
ولكنك في يوم الجمعة الأخير نسيتني,
فقدم إلى هذا الشخص الذي يحمل إليك الرسالة أربعمائة دينارا كفارة,
ليحط بها عنك إثم هذا النسيان". فلما أفاق الوالد دهش لعجب ما رأى,
ولكنه نفذ ما أمره الرسول.
وفعلا أرسل رسالة إلى أمير البصرة مع الحاجب
يخبره فيها بما رأى في منامه.
ولما قرأها الأمير ذهل لحقيقة ما جاء فيها,
فأمر بإعطاء الحاجب أربعة مائة دينار,
وتوزيع ألف على الفقراء.
في هذا الجو المفعم بالإيمان عاشت رابعة طفولتها,
وكانت تتفوق على لدّاتها ذكاء وإيمانا وحسا,
فحفظت القرآن وهي في الخامسة عشر,
وحافظت على الصلاة وهي في عمر الورد,
وتكون وجدانها الديني الرقيق وهي طفلة في نضارة الزهر.
فرقت بين الحلال والحرام في سن مبكر,
حيث يروى أن والدها قدم يوما يحمل طعاما إلى أسرته,
فأبت رابعة أن تمد يدها إليه خوفا من أن يكون حراما,
وقالت لأبيها: "يا أبت لست أجعلك في حل من حرام تطعمنيه",
فقال لها والدها: "أرأيت يا رابعة إن لم نجد إلا حراما",
فقالت: "نصبر في الدنيا على الجوع
خيرا من أن نصير في الآخرة على النار".
مات أبوها وهي في مرحلة الصبا المبكر, ولحقت به أمها,
فأصبحت رابعة يتيمة الأبوين بلا سند ولا مال,
فخرجت الأخوات الأربعة هائمات على وجوههن
وتفرقت بهن السبل كل منهن في طريق,
وتاهت رابعة فلم يبق لها مع اليتم سوى الوحدة والفقر والتيه.
فوقعت في مخالب ذئب من قطاع الطرق باعها لتاجر بستة دراهم,
فأصبحت جارية مملوكة لسيد فظ غليظ القلب يقسوا عليها ويسومها سوء العذاب, .
, وذات يوم جاءها رجل غريب يتهجّمها فهربت منه وسارت في أزقة البصرة
مجهدة باكية حتى تعثرت وسقطت على الأرض مغشيا عليها,
فلما أفاقت واستردت صوابها,
رفعت رأسها إلى السماء في مناجاة ربها قائلة: "رباه, أنا غريبة يتيمة,
أكابد ألم العبودية, وسوف أتحمل كل شيء وأصبر عليه,
ولكن غمي الأكبر هو أن أعرف أراض أنت عني أم غير راض,
إلهي هذا ما أتوق إلى معرفته!" , فسمعت هاتفا يقول لها:
"لا تحزني, ففي يوم الحساب يتطلع إليك المقربون يحسدونك على ما تكونين فيه".
فشعرت رابعة بسكينة وطمأنينة وأن الفرج قادم من عند الله,
فقامت وعادت إلى بيت سيدها وقد اختلف حالها وتفتح قلبها
وأخذت روحها تهفو نحو حب كبير غامض يملأ رحاب وجدانها,
وكانت تنتظر قدوم الليل في شغف
وهي عند سيدها حتى تخلو مع ربها خلوتها الكبرى
فتصفو للعبادة والصلاة والتهجد والمناجاة.
وفي إحدى الليالي صحا سيدها على صوت مناجاة,
فتتبع الصوت فرأى رابعة في مخدعها تصلي
وتدعو ربها أن يخلصها من هذه الحياة التي تعيشها,
ثم رأى قنديلا معلقا في الهواء يدور فوق رأسها ويملأ الغرفة نورا وضياء,
فذهل لما رأى وارتج جسمه وتسمرت عيناه وخارت قواه وقدماه,
وعندها فتح عليها الباب وقال لها: "يا رابعة أنت حرة طليقة منذ هذه الليلة,
ولك الخيار في البقاء في منزلي معززة مكرمة أو الرحيل إلى مكان آخر ترغبينه"
, ففضلت الرحيل , وخرجت في اليوم التالي إلى الصحراء ومعها جارية أخرى
تدعى "عبدة بنت شوال" لتعينها في حياتها,
فابتنت لنفسها كوخا صغيرا في أطراف البصرة,
وأقبلت بكل كنوز قلبها على الصلاة والمناجاة والعبادة,
وعندما ترددت في أعماق نفسها نوازع الحيرة والقلق,
أخذت تلوذ بالمساجد وتتردد على ساحات الصوفية
وحلقات الذكر تستمع إلى أقوال الوعاظ والزهاد,
فترك هذا كله في نفسها أثرا عميقا,
وسبب لها صراعا نفسيا جعلها تبحث عن عشيرتها وتفتش عن أقاربها,
فقابلت الزاهد العابد "رباح القيسي",
فأخذ بيدها وهداها إلى طريق الزهاد والعبادة,
وعرفها على زاهدة تعدّ من أكبر عابدات البصرة آنذاك تدعى "حيونة",
حيث أنها من تلاميذ الزاهد الصوفي "عبد الواحد بن زيد",
الذي هو أستاذ رباح القيسي في الوقت نفسه,
فعلمت رابعة قيام الليل حتى بلغت مقام الحب الإلهي.
وهكذا بدأت رابعة الطريق تتضح لرابعة شيئا فشيئا,
وبدأت تنعقد الصلات بينها وبين الرعيل الأول من رجال التصوف أمثال
"مالك بن دينار, وإبراهيم بن أدهم, وسفيان الثوري,
وعبد العزيز بن سليمان, وعبد الواحد بن زيد, وحبيب العجمي,
وهكذا انتقلت رابعة من حياة العزلة في الصحراء
إلى حياة تموج بالذكر والتسبيح والاستغفار ومليئة بالتأمل والحب الإلهي.
لقد سلكت رابعة طريق الروح بخطى ثابتة كما سلكه معاصروها من العباد والزهاد,
وتدرجت في مقامات التصوف مقاما مقاما, ابتداء من مقام التوبة والاستغفار
الممزوج بالحزن والبكاء والتذلل بين يدي الله حبا في الله لا طمعا في جنة,
أو خوفا من نار, حيث كانت تقول:
" إلهي هذا الليل قد أدبر وهذا النهار قد أسفر,
فليت شعري أقبلت مني ليلتي فأهنأ, أم رددتها علي فأعزى!".
وقد أجابت حين سئلت ذات مرة:
أعملت عملا ترين أن يقبل منك! قالت: " إن كان, فخوفي أن يرد علي."
وقد أنشدت في هذا المقام
وزادي قليل ما أراه مبلغي *** أللزاد أبكي أم لطول مسافتي
أتحرقني بالنار يا غاية المنى *** فأين رجائي فيك أين مخافتي
ثم انتقلت إلى مقام الرضا والامتثال لإرادة الله
والاستسلام لمشيئته والشعور بالأمن والطمأنينة في حضرته
والقبول بالقضاء والقدر, حيث كان لرابعة
مواقف كثيرة تعبر عن رسوخها في هذا المقام.
وقد روي عنها أن "سفيان الثوري" قال ذات مرة
وهو يزور رابعة: "اللهم ارض عني", فقالت له:
" أما تستحي من الله أن تسأله الرضا وأنت غير راض عنه!
", فقال: "استغفر الله", وأردف يسألها: "متى يكون العبد راضيا من الله؟",
قالت: " إذا كان سروره بالمصيبة مثل سروره بالنعمة." ومن قولها أيضا في هذا المقام:
"إني أستحي أن أسأل الدنيا من يملكها فكيف أسأل من لا يملكها".
ثم ارتفعت رابعة إلى مقام المحبة والذي يعتبر
أصل الإسلام وجوهره, وروح التصوف ومنبعه,
ومن أقوالها في هذا المقام:
حبيبي ليس يعدله حبيب *** ولا لسواه في قلبي نصيب
حبيب غاب عن بصري وسمعي *** ولكن في فؤادي ما يغيب
يا حبيب القلب ما لي سواك *** فارحم اليوم مذنبا قد أتاك
يا رجائي وراحتي وسروري *** قد أبى القلب أن يحب سواك
فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب
أحبك حبين حب الهوى *** وحبا لأنك أهل لذاك
فأما الذي هو حب الهوى *** فحب شغلت به عمن سواك
وأما الذي أنت أهل له *** فكشفك لي الحجب حتى أراك
فما الحمد في ذا ولا ذاك لي *** ولكن لك الحمد في ذا وذاك
ثم انتهت رابعة إلى مقام الخلوة وقطع العلائق
والذي هو ثمرة المحبة الإلهية المتعمقة,
وفيه يتخلل حب الله جميع الأعضاء واللحم والدم,
ومن قولها في هذا المقام:
وتخللت مسلك الروح مني *** وبه سمي الخليل خليلا
فإذا ما نطقت كنت حديثي *** وإذا ما سكت كنت الخليلا
إني جعلتك في الفؤاد محدثي *** وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم مني للجليس مؤانس *** وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي
وعرفت رابعة "بالروحانية" الذين يغلب على قلوب المنتمين لها حب الله,
وتعتبر الروحانية مقاما من مقامات الرضا ,
فإذا خرجت النفس من الروح يكون روحانيا, وإذا خلا العقل عن القلب يكون ربانيا.
وهنا اتهمها البعض بالزندقة,
واتهمها البعض الآخر بالكفر, مع أن الروحانية التي دعت إليها رابعة ليس فيها أي اتجاه إباحي,
ولم يوجد فيه أي ظل لزندقة أو إلحاد أو بدعة,
وهذا يرد على بعض المغرضين الذي وصفوا روحانية رابعة وبعض جماعتها من المتصوفين بالزندقة.
حدث لغط حول زواج رابعة,
إلا أن المؤرخين رجحوا عدم زواجها ورفضها كل من طلب يدها,
وهذا ما يؤكده "د. عبد الرحمن بدوي",
وأكبر دليل على ذلك أنه لما خطب "عبد الواحد بن زيد" الصوفي المعروف رابعة,
حجبته أياما حتى سمحت أن يدخل عليها فقالت له:
" يا شهواني, أطلب شهوانية مثلك .. أي شيء رأيت فيّ من آلة الشهوة".
كما رفضت الزواج من " محمد بن سليمان الهاشمي"
أحد أمراء البصرة وردت عليه: " الزهد في الدنيا راحة البدن, والرغبة فيها تورث الهم والحزن,
فهيئ مزادك, وقدم لمعادك, وكن وصيّ نفسك, ولا تجعل الرجال أوصيائك,
فيقتسموا تركتك, وصم الدهر,
واجعل فطرك الموت, وأما أنا فلو خولني الله أمثال ما حزت وأضعافه,
فلم يسرني أن أشتغل عن الله طرفة عين والسلام."
وكانت لا ترى الزواج يصلح لها, بل ترى استحالته بالنسبة لها,
لأنها في شغل بالمهم من أمور الآخرة, والحياة الروحية ومسائلها,
فأنّى لها تفرغ للزواج والحياة الدنيا, وما حكاية زواج رابعة
إلا أسطورة نشأت عن الخلط بين"رابعة إسماعيل الشامية" زوج "أحمد بن أبي الحواري"
ورابعة إسماعيل العدوية البصرية, وهذا القول ما يؤكده قولها لأبي الحسن البصري | |
|