الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن حملات الوقيعة بيْن جماعة "الإخوان المسلمين" و"التيار السلفي" تتزايد حدتها؛ لضرب الصحوة الإسلامية ككل، فتسقط في أعين الناس، ويكون المستفيدون هم أعداء الإسلام، مِن: النصارى، والعلمانيين؛ فهل مِن متبصر؟!
النزغ والتحريش:
قال الله -تعالى-: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) (الإسراء:53)، وقال رسول الله -
سلم-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ) (رواه مسلم).
إن مقال "جريدة الشروق" ليس إلا مثالاً واضحًا لهذه المحاولات الدنيئة للوقيعة بين التيارات الإسلامية، وللأسف.. انزلق بعض الأفاضل في هذا الأمر، وتوالت الاتهامات بين أكبر فصيلين في الدعوة الإسلامية، لا أقول في مصر فقط بل في العالم الإسلامي كله بدون مبالغة!
فما ستكون النتيجة؟!
النتيجة -ببساطة شديدة- ستكون انفضاض المسلمين عن كلا الطرفين؛ لأن العقلية البسيطة لعوام الناس لا تستطيع أن تفرِّق بيْن محاسن ومساوئ المناهج، وعندهم أن هذه الجماعات إذا كانت مختلفة ومتناحرة؛ فكلها على باطل، وهذا ما يسعى إليه أعداء الصحوة؛ لنسف الرصيد الكبير الذي حصل عليه "التيار الإسلامي" أثناء وبعد الثورة، سواء مَن شارك فيها أو مَن لم يشارك؛ فينفض الناس عن الإسلاميين، وعندها سيكون تحالف "النصارى والعلمانيين" هو الفريق الفائز.
أسلوب خبيث ورد بديع:
يلجأ الشيوعيون الملاحدة إلى إبطال الدين بإظهار الخلافات بيْن الأديان؛ فلا يبصر الناس مسألة اتفاق الأديان على وجود إله.
ويلجأ النصارى إلى إظهار الخلافات بيْن السنة والشيعة والمعتزلة والصوفية؛ لإبطال دين الإسلام؛ فينخدع السذج، ولا يبصرون اتفاقهم على مسألة الوحدانية وعبودية عيسى -عليه السلام-.
وكذلك يلجأ العلمانيون إلى إظهار الخلافات بيْن الجماعات الإسلامية؛ لينفروا عنهم الناس، فلا يبصرون اتفاقهم على مسألة تحكيم الشريعة وإقامة الدين.
ولذلك عندما كان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يرد على النصارى في كتابه الماتع: "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح"، كان -رحمه الله- يرد على شبهاتهم مبيِّنًا أن كل الفرق الإسلامية السنية منها والمبتدعة تخالفهم؛ فلم يكن يرد بلسان أهل السنة فقط، بل بلسان أهل الإسلام جميعًا، وهذا هو المطلوب.
ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا:
جميع أبناء الصحوة الإسلامية يوقنون أن ما يجمعهم مِن الإسلام، والإيمان، والدعوة إلى الله -عز وجل-، والرغبة في الحياة على منهج الإسلام، والموت في سبيله نصرة للدين.. كل ذلك أكبر بكثير جدًا مِن الخلافات، سواء في المنهج أو التطبيق، لاسيما في حالة أمتنا الآن.. فنحن في مفترق طرق، إما أن تعلو في بلادنا راية الإسلام أو تنكس -عياذًا بالله تعالى-، والأعداء متربصون وهم كُُثر -والله- في الداخل وفي الخارج؛ فهل تتضافر جهودنا؛ لنصرة الإسلام بدلاً من التناحر؟!
مآخذ على الطرفين:
يؤخذ على التيارين الإسلاميين بعض أمور:
1- سوء الظن: قال الله -تعالى-: (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (الحجرات:12)، لا يصح بحال مِن الأحوال أن يظن المسلم بأخيه شرًا أو أنه ينتوي له السوء.
فلا يُقبل مِن الإخوان الطعن في السلفيين بأنهم عملاء للأمة والأنظمة الفاسدة، فإن الدعوة السلفية تتبرأ إلى الله -عز وجل- مِن أن يكون هؤلاء الذين ينبذون شرع الله -عز وجل- ولاة أمور، وقد أنكروا على مَن يدعي الانتساب إلى السلفية، ويقول بذلك، وهم ذاقوا ويلات الاعتقال والتعذيب مثلكم، وإنما كان الاتجاه السلمي وعدم الاصطدام بالسلطات الغاشمة أو وجود أمور صحيحة شرعًا عند هؤلاء الظالمين في تحقيقها مصلحة للمسلمين.. مثل هذه الأمور ظن البعض أنها عمالة، ونحن نجزم بوجود مثلها عند الإخوان سواء في ترتيب بعض المظاهرات أو انتخابات مجلس الشعب 2005م.
والأصل في ذلك حديث النبي -
سلم- في صلح الحديبية: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا) (رواه البخاري).
وأما الأساليب التي كان يتخذها "جهاز أمن الدولة" في إحداث الوقيعة فمعروفة، بل لقد استخدموها للتفرقة بيْن أبناء الدعوة والجماعة الواحدة، والعجب أن البعض يصدقهم، ويكذب العلماء والصالحين!
ولا يصح بحال مِن الأحوال أن يصدق السلفيون أن الإخوان سوف يقضون عليهم إذا تمكنوا، وأنهم سيكونون أشد عليهم من الظالمين؛ فإننا نعتقد أن إخواننا في جماعة الإخوان المسلمين عندهم مِن الدين والورع ما يجعلهم لا يفكرون في ذلك؛ فضلاً عن تنفيذه.
2- الانشغال عن العدو الحقيقي:
نزاع الأقران حقيقة لا مناص منها، فإن تنافس السلفيون والإخوان في الساحة الدعوية ينشأ عنه بعض التباغض والتحاسد المنهي عنه شرعًا، وهذا ـ للأسف ـ يشغل الفريقين كثيرًا عما يُحاك من المؤامرات للإسلام عامة وللصحوة خاصة، فالأعداء الحقيقيون هم مَن يسعى إلى علمنة مصر أو تنصيرها، فضلاً عن اليهود والأمريكان المتربصون بنا في الخارج، فهل ننتبه؟!
3- عدم توحيد الجهود:
واقعيًا نحن نستبعد توحيد الجماعات الإسلامية في جماعة واحدة؛ نظرًا لاختلاف المناهج والرؤى، ولكن هذا لا يعني: عدم توحيد الجهود، واستثمار التنوع الدعوي والحركي للجميع، بمعنى أن هناك قضايا تمس جوهر الإسلام، وتهدد كيانه في مصر، مثل: "إلغاء المادة الثانية من الدستور"، فلابد أن يكون جميع الجماعات الإسلامية على كلمة واحدة في هذه القضية.
وأما التنوع الحركي فنعني به: أن يحدث نوع مِن التكامل في النشاطات، فبعض الجماعات يهتم بالعمل الاجتماعي، والبعض بالتعليم والإفتاء، والبعض بقضايا سياسية؛ فلابد من استغلال هذا التنوع؛ ليصب في مصلحة الإسلام والمسلمين، وهذا قد يتأتى بوجود هيئة لعلماء الصحوة من جميع الاتجاهات تنسق هذه الجهود؛ لعلها تكون نواة لتوحيد المنهج لاحقًا.
كلمة إلى رجال الإعلام:
يا رجال الإعلام.. اتقوا الله في إسلامكم، وفي بلدكم؛ فإن الكلمة سلاح خطير أشد من السحر، قال رسول الله -
سلم-: (إِنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا) (رواه البخاري)، وقال -
سلم-: (رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ؛ فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ.. ) ثم سأل عن ذلك؟ فقيل له: "الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ، يَكْذِبُ بِالْكَذْبَةِ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (رواه البخاري).
فلا تكونوا عملاء لأهل الباطل مِن: علمانيين، ونصارى، وشيعة، وكونوا عونًا لأهل الحق.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.