نساء صنعن التاريخ
عائشة بنت أبي بكر.. الفقيهة الزاهدة
كانت عائشة بنت ابي بكر مثلا رائعا للمرأة التي استطاعت أن تعطي لزوجها الحب والوفاء والاخلاص
ولدينها القوة والعلم والفقه وهي صاحبة اكبر حادث وقع في الأمة الإسلامية حيث تعرض عرض
النبي
سلم فيه للاتهام في محاولة من المنافقين واليهود لضرب عقيدة الإسلام في محمد وأهل بيته..
وكان حادث الإفك مثار تفكير كل المسلمين شهراً انقطع فيه الوحي عن محمد
سلم..
وكانت تلك الشائعة تجربة شاقة وحمل النبي
سلم فيها آلاما لا تحتمل.. ومرضت فيها عائشة..
حين توجه الزوج محمد
سلم إلى عائشة قال لها “أما بعد.. فإنه بلغني عنك كذا وكذا
فإن كنت بريئة فسيبرئك الله تعالى وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله تعالى إليه فإن العبد إذا اعترف
بذنبه ثم تاب تاب الله عليه”. ولم تزد عائشة ان قالت: ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال:
“فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون” ولأن عائشة ابنة أبي بكرتثق في طهارتها وبراءتها فقد
تحدثت للرسول بكل الاعتزاز والايمان..
ونزل الوحي على النبي بسورة النور ببراءة عائشة الطاهرة فقالت لها أمها “قومي إلى رسول الله فاشكريه
” فقالت: “والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله هو الذي أنزل براءتي”.. فقد كان تأثر عائشة بالإفك بالغا
واحتمت بجانب الله وعلى الرغم من أن النبي
سلم سمع بالإفك إلا أنه لم يقبله من غير
بينة ولم ينفه أيضا من غير بينة بل سأل من يستحق السؤال من المسلمين.
غضبت عائشة غضب البريء المشكوك فيه وانها لبريئة في نظر كل منصف يفهم أنها لايمكن أن تعرض
نفسها كشريفة للريبة أمام جيش كامل وفي وضح النهار مع رجل يتقي ما يتقيه المسلم في هذا المقام من
غضب الله والنبي والمسلمين. اراد النبي لعائشة البراءة أمام الناس عامة وأمام نفسه المحبة لها فقد كان الحادث
مجاوزا عائشة إلى شخص الرسول
سلم بل تجاوز إلى صلته بربه ورسالته كلها فمن اشتركوا
في ترويج الشائعة كانوا يهوداً منافقين ومن لحظتها تبين مدى الخطر الذي يصيب الجماعة إذا أنطلقت الألسنة
في غير حساب تنهش اعراض المحصنات المؤمنات.. وبيان الوزر من ذلك والعقاب عليه.
ولتكتب قصتها في التاريخ يمضي القرآن الكريم ليوضح لنا واجب التثبت أمام أي فريه بإتيان أربعة شهود
كما هو الحكم الإسلامي: لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون فالقرآن
يؤدبهم لتناقلهم هذا الأمر من دون تدبر وكان هينا على السنتهم كأية شائعة عادية من دون ان يحسوا بالعواقب.
والحادثة جاءت لتوضح أن الذين يرمون اعراض المسلمات لعنهم الله فإن افلتوا من عقاب الدنيا فإن عقابهم شديد
في الآخرة: إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم ، يوم تشهد
عليهم ألسنتهم وايديهم وارجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون ان الله هو الحق المبين.
تلك هي عائشة بنت أبي بكر التي خطبها الرسول في سن السادسة وتزوجها في التاسعة من عمرها ولم يعاملها
معاملة الزوجات الكبيرات.
وكان سبب زواجه منها اعتزازه بوالدها ابي بكر الصديق ليرتفع بمكانته ويقوي علاقته به... وكانت تردد دائما:
“لقد تزوجني الرسول بكرا وما تزوج بكرا غيري ولقد حفت الملائكة بيتي واني لابنة خليفته وصديقه.. ونزل
عذري من السماء. ولقد خلقت طيبة عند طيب ولقد قبض محمد ورأسه في حجري وقبرته في بيتي ووعدت
مغفرة ورزقا كريما”. وعندما خير الرسول
سلم أزواجه بينه وبين الحياة الدنيا وزينتها قال
أمراً فلا عليك ان لا تعجلي حتى تستأمري ابويك فقالت له إني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم فعل
ازواج رسول الله
سلم مثل ما فعلت.
علم وتواضع
وكانت متواضعة والدليل على ذلك قولها: “والله لوددت أني كنت شجرة والله لوددت أن الله لم يكن خلقني شيئا
قط”.. وقالت يوم وفاتها: “يا ليتني لم أخلق ولم أكن أحب أن أسمع أحدا اليوم يثني على لوددت اني كنت نسيا منسيا”.
وذكر الدكتور مصطفى مراد في كتابه صحابيات عن شدتها في دين الله: لقد كانت رضي الله عنها قوية في
دين الله سبحانه وتعالى تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتغضب من أجل الله تقول أم علقمة بنت أبي علقمة
رأيت حفصة بنت عبدالرحمن بن ابي بكر دخلت على عائشة وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها فشقته
عائشة عليها وقالت: أما تعلمين ما انزل الله في سورة النور؟ ثم دعت بخمار فكستها.
عائشة الزاهدة جاءتها الدنيا فأعرضت عنها واعطتها للفقراء والمساكين وبعث ابن الزبير إليها بمال في
غراريته يكون مائة الف فدعت بطبق وهي صائمة فجعلت تقسم في الناس فلما أمست قالت يا جارية هاتي
فطري فقالت يا أم المؤمنين أما أستطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحما تفطرين عليه فقالت:
لا تعنفينني فقد ذكرتهم قبلي..
أما عن علمها فقد كانت تحفظ آلاف القصائد وتفوقت في اللغة العربية وروى الرواة عنها من الأحاديث النبوية
عشرة ومائتين وألفي حديث وهي أكثر الصحابة رواية بعد أبي هريرة وعبدالله بن عمر وأنس رضي الله عنهم
وذلك فوق علمها في الميراث حتى كان كبار الصحابة يسألونها عن أحكامه.
وإذا كانت عائشة الزوجة الوفية قد عرفت بالعلم والفقه فإنها امتازت أيضاً رضي الله عنها بالذكاء والفهم وكثرة
الرواية وكانت تفسر حديث رسول الله
سلم وهي بين يديه لمن لم يفهم فكانت كثيرة السؤال
للعلم ولا يهدأ لها بال حتى ترضي طمأنينتها وتجلو لنفسها كل خفي مما يحيط بها فقد طرحت على رسول الله
أسئلة حول كل ما يمر من موضوعات في الفقه والقرآن الكريم والأخبار والمغيبات وفيما يعرض من أحداث وخطوب..
وهذا شأن المرء ذي الطبيعة العلمية كلما عظم حظه من المعرفة كثر تطلعه إلى ما فوقه أما الجاهل فليس
بمعنى أن يسأل فإذا أصاب من المعرفة حظا ما بطريق العرض كان أبعد الناس أن تطلب نفسه مزيدا من العلم..
ودليل ذلك أن قائمة الذين عرفوا بنقد الروايات محدودة سجلت اسماء لامعة أنعم الله عليهم بخصائص تدقيق
النظر في النصوص وتفحص الظاهر والباطن واسم عاشة من تلك الأسماء لما قدمت من صحة النظر
وصواب النقد وحضور الحفظ وجودة النقاش.